شهدت صناعة السفر تطوّراتٍ ملحوظة بفضل تقدم التقنيات وتوسّع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، باعتبارهما أدواتٍ جاذبة للشركات العاملة في القطاع، حيث توفّر حلولاً ابتكاريةً لتحويل الصناعة، فقد أثرت هذه التقنيات بشكلٍ كبير على تحسين تجربة السفر وتسهيل العديد من العمليات التشغيلية في المطارات. وتتجه الشركات والمطارات نحو تبنّي الحلول التقنية القائمة على البيانات بسبب وفرة البيانات القادمة من مصادر مختلفة، والتي تحمل في طيّاتها حلولاً في مختلف المجالات ذات العلاقة، من إدارة العمليات والرحلات والأمتعة، إلى تسهيل الإجراءات الأمنية وتعزيزها، وبالطبع توفير المزيد من الراحة والمتعة عبر تقديم تجربة مستخدم فريدة للمسافر. تُعدّ إدارة العديد من مدرجات ومحطات المطار والتحكم فيها أمراً معقداً بطبيعته ويشكل تحدياً يومياً، ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في إعادة تشكيل عمليات التشغيل للمطار، وابتكار الحلول للمشكلات الشائعة مثل: تأخر الرحلات الذي يؤدي إلى تعليق آلاف المسافرين، ومشكلات الشحن، والعوامل البيئية، وتنظيم مسارات الأمتعة، واستثمار السعة التشغيلية للمطار في حالات عدم إشغالها. فما هي الحلول التي تقدمها التقنية للقطاع؟ الأنظمة التقنية المستخدمة في المطارات هناك العديد من التقنيات القائمة على البيانات، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتي تشكّل الأرضية الصلبة لاستحداث الكثير من التطبيقات التي من شأنها تقديم الحلول التقنية التي ترفع من أداء المطارات، وتُحسّن تجربة المسافرين والعاملين فيها، وأبرز هذه التقنيات هي:

```
 رؤية الحاسوب
```

تُعد تقنية رؤية الحاسوب المرتكزَ الرئيسي لتقنية التعرّف على الوجوه لتحديد هوية شخص أو تأكيدها باستخدام وجهه، وهي تعمل وفق ثلاث مرتكزات هي :الاكتشاف، والتحليل، والتعرّف، فالاكتشاف يتضمن العثور على وجه في صورة أو مقطع فيديو من خلال رؤية الحاسوب، واستخراج المعلومات المفيدة من بيانات الصور وتحليلها وتصنيفها وفهمها، ثم يعمل نظام التعرّف على الوجه على تحليل صورة الوجه، من خلال تحديد الملامح والتعبيرات ومنها: المسافة بين العينين، وعمق محجرها، والمسافة بين الجبهة والذقن، وبين الفم والأنف، وشكل عظام الخدين، ونحوها، وأخيراً يكون التعرّف من خلال مقارنة الوجوه في صورتين أو أكثر.

```
 الروبوتات والأتمتة:
```

الأتمتة هي استخدام برامج الحاسوب أو الآلات لتنفيذ مهام بدلاً عن البشر، وقد تكون الأتمتة ميكانيكيةً أو برمجيةً، والروبوتات هي: فرع من فروع الهندسة التي تضم تخصصات متعددة لتصميم وبناء وبرمجة واستخدام الآلات الروبوتية، وقد تُستخدم الأتمتة بالتكامل مع الروبوتات، أو تُستخدم كل منهما على حدة، وتُفيد في زيادة سرعة العمليات ورفع دقتها وكفاءتها، وأبرز ميزاتها هي: إمكانية عملها وتوفّرها على مدار الساعة، ما يتناسب مع طبيعة عمل المطارات.

 تحليل البيانات الضخمة:

تحليلات البيانات الضخمة هي عملية فحص البيانات الضخمة؛ للكشف عن الأنماط والارتباطات واتجاهات السوق وتفضيلات العملاء، ونحوها من المعلومات التي يمكن أن تساعد المؤسسات على اتخاذ قرارات مستنيرة، والإجابة على السيناريوهات المختلفة حول العمليات والأداء، وتتضمن تحليلات البيانات الضخمة تطبيقَ النماذج التنبؤية التي تُفيد في تطوير استراتيجيات الأداء، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتحقيق المزايا التنافسية.

إدارة الأمتعة تستخدم المطاراتُ الروبوتاتِ الذكية لفحص الأمتعة، وتتميز الروبوتات بكونها مزوّدةً بتقنيات رؤية الحاسوب، مما يعني قدرتها على التعرّف على الأشكال والمواد غير الطبيعية، وبالتالي توجيه موظفي الأمن إلى الحقائب التي تحتاج إلى فحص إضافي، ممّا يُعزّز الأمان ويرفع كفاءة عمليات التفتيش. كما تُستخدم تقنية تحديد المواقع عن بُعد بالتردد اللاسلكي (RFID) في إدارة الأمتعة، حيث تُزوّد الحقائب بشرائح RFID ليمكن تتبعها بواسطة أجهزة التتبع والاستقبال حتى تُسلّم لأصحابها، وهذه التقنية تسهل نظام توجيه الأمتعة، وتحسّن كفاءة إدارتها، مما يقلل من المشكلات المرتبطة بفقدان الأمتعة أو تأخر وصولها.

أمن المسافرين من أبرز المهام الأمنية في المطارات هي التعرّف على هوية الأشخاص، وتُقدم التقنية في هذا المجال حلولاً متعددةً، منها: استخدام تقنية التعرف على الوجه القائمة على رؤية الحاسوب والذكاء الاصطناعي، حيث تساعد في التحقّق من هوية الأشخاص، وتحل محل عمليات التحقق اليدوي التقليدية، مما ينعكس على تحسين نظام التحقق من هوية المسافرين وتسريع العمليات ورفع مستوى الأمان فيها. كما تُستخدم تقنيات التحقق البيومترية المختلفة، والتي تعتمد على دراسة البيانات الحيوية للتعرف على هوية الراكب، مثل: بصمات الأصابع، وبصمات العيون، والتعرّف على الوجه أيضاً. تُفيد هذه التقنيات -إلى جانب تقنيات تحليل الصور والمسح الضوئي بالأشعة السينية- في التعرّف على كل ما يُشتبه به من الأشخاص والأمتعة، مثل: الكشف عن المتفجرات، والأسلحة، والأشياء المشبوهة، مما يُحسّن عمليات الحفاظ على الأمن والكشف عن التهديدات. كما تستخدم تقنيات تحليل البيانات الضخمة في المطارات؛ لفهم سلوك المسافرين وتوظيفه في تحقيق الأمن والسلامة، وتتم الاستفادة من البيانات في تتبع العوامل المتغيّرة والتنبؤ بالأعطال أو الاضطرابات المحتملة في المطار.

إدارة الحشود تُعدّ الروبوتات والأجهزة المؤتمتة عاملاً مساعداً في إدارة الحشود في المطارات إذا تم توظيفها في استقبال المسافرين وتوجيههم آلياً، وتوفير المساعدة والمعلومات بلغاتٍ متعددة، وتنظيم الطوابير والأمتعة والمساعدة في حملها، والقيام بعمليات التنظيف، وتتميّز الروبوتات والأجهزة المؤتمتة بأداء عملها بفعالية ودقة في التنفيذ، مما يحسّن تجربة المسافرين ويضمن سلاسة الحركة في مرافق المطار، وبالتالي تقليل الازدحام والتأخير، كما تعمل الأتمتة على تحسين توزيع الركاب، وضبط الإضاءة والتكييف بطريقة تلائم احتياجات الركاب، وتحسين الكفاءة العامة لإدارة المطار. ويُستخدم الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة في تحليل بيانات الرحلات السابقة والحالية، والتنبؤ بالازدحام والتأخيرات وتوقع الاحتياجات اللوجستية، واتخاذ إجراءات استباقية؛ لتعزيز فعالية التخطيط، وتحسين توجيه العاملين، وتحسين توزيع الرحلات، والتحسينات الأخرى التي تؤدي إلى تقليل الازدحام وتحسين تجربة المسافرين.

تحسين تجربة المسافر يُسهم الذكاء الاصطناعي بالدرجة الأولى في تحسين تجربة المسافرين عبر تخصيص الخدمات والتواصل الشخصي وتمكين الخدمات الذاتية، حيث تستخدم المطارات نظام التحقق الذاتي للركاب عن طريق إجراءات التحقق الآلي المدعوم بتقنيات تعلم الآلة ورؤية الحاسوب، وقياس البصمة الحيوية وغيرها للتحقق من هوية المسافر، وتسهيل عملية دخول المطار وبقية مراحل السفر. كما يُمكن للمطارات توظيف نظم الدردشة الذكية "المساعدون الافتراضيون" القائمة أيضاً على تقنيات تعلم الآلة؛ للرد على أسئلة المسافرين، وتوفير المعلومات التي يحتاجونها حول الرحلات والمرافق المتوفرة، مما يرفع رضا المسافرين بحصولهم على الإجابات بدقة ودون تأخر، وحصولهم على أمتعتهم دون فقدانٍ أو تأخر، وهو أحد أهم معايير تحسين تجربة المسافر، والذي يتم تحسينه بالاستفادة من إمكانات الروبوتات وأتمتة العملية بأكملها.

لا يقتصر تحسين تجربة المسافر على فترة تواجده في المطار، بل يمكن تحسينها على طول رحلته فيما هو أبعد من ذلك، بما يفتح الباب لشركات السياحة، والفنادق، وقطاعات الترفيه، والنقل، من الاستثمار في الحلول التقنية بدءاً من المطارات وانتهاءً بها، وذلك من خلال التواجد بها وتوفير الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الكبيرة لتوفير توصياتٍ مخصّصة ومعلوماتٍ مفصّلةٍ عن المسافرين، وتحديد الوجهات السياحية الشائعة، والإشارة إلى الفعاليات الثقافية والأحداث القادمة، إلى جانب توفير توصيات للمطاعم والفنادق وغيرها من المرافق المحلية، ممّا يرفع جودة التجربة ويُساعد المسافرين على تخطيط رحلاتهم واغتنامها بشكلٍ أفضل وأكثر متعة وفاعلية. يتطلب الوصول إلى هذا المستوى من تجربة السفر إلى خطط شاملة وتطوير منظومة بيئية متكاملة، وبنىً تحتية لشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات وهندسة البيانات، ونماذج معمارية عالية المستوى، واعتماد سياسات إدارة البيانات وتعزيز الابتكار في مطاراتٍ جاهزةٍ للمستقبل.