يهتم علم البيانات بتحليل وفهم البيانات الضخمة؛ لاستخلاص المعلومات والأنماط القيّمة، ويشكل اليوم جزءاً أساسياً من حياتنا، حيث يتم جمع كميات ضخمة من البيانات من مختلف المصادر، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية ومستشفيات وشركات التقنية والعديد من المصادر الأخرى، حتى أصبحت البيانات هي المرتكز للقرارات التي تتخذها معظم المنظمات في مجالات الحياة المختلفة، فما الذي يمكن فعله لدفع الابتكار في البيانات، بما ينعكس على تحسين الأثر الاجتماعي؟ إن أحد الاستخدامات الرئيسية لعلم البيانات هو تحسين الأثر الاجتماعي، فما معنى الأثر الاجتماعي أصلاً؟ الأثر الاجتماعي هو: كل خدمة أو إجراء يُحسّن من نوعية وجودة حياة الناس والمجتمعات، ويرفع مستوى فهم احتياجاتهم ووصول الخدمات إليهم، ويُساهم في تحقيق الهدف المجتمعي الذي تطمح إليه الدول حول العالم من تحقيق التنمية المستدامة، حيث تُلبّى الاحتياجات الحالية دون التأثير اللبي على قدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها كذلك، وفي هذا السياق يلعب علم البيانات دوراً حيوياً في تحقيق هذه الأهداف، حيث يتم تحليل البيانات الاجتماعية، واستخلاص الحقائق والأنماط والمعلومات القيّمة منها، والتي تساهم في تحسين العمليات، واتخاذ القرارات الذكية والمستدامة، وتساعد في فهم السكان وتلبية احتياجاتهم بشكل أدق وأشمل.
إن أحد استخدامات علم البيانات في تحسين صحة المجتمع هو تحليل البيانات الوبائية والتوقعات الصحية، حيث يمكن لمراكز مراقبة الأمراض والأوبئة تحليل البيانات المتعلقة بالأمراض المعدية، واكتشاف الانتشار السريع للأمراض ووضع إجراءات الوقاية اللازمة، حيث إن التعامل الاستباقي مع الأمراض المعدية يؤثر تأثيراً كبيراً على انتشارها والحدّ منها، وتساعد البيانات الوبائية المتراكمة في تقديم نماذج تحليلية تنبؤية، تساعد في توجيه الجهود للتصدي للفيروسات والأوبئة المشابهة والمحتملة في المستقبل. كما يمكن استخدام علم البيانات في تحليل السجلات الصحية الإلكترونية للمرضى، حيث يتم جمع معلومات هائلة عن المرضى وتخزينها في قواعد البيانات الإلكترونية، وباستخدام تقنيات التحليل البياني المتطورة يمكن للباحثين والممارسين في مجال الرعاية الصحية استخلاص أنماط ومعلومات مفيدة من هذه البيانات، ويمكن لهذا التحليل المتقدم أن يساعد في تحسين تشخيص الأمراض، وتطوير خطط العلاج الفعالة، وتحليل أداء المستشفيات لمعرفة التحسينات التشغيلية اللازمة، وبالتالي رفع جودة القطاع وتوفير رعاية صحية ذات جودة عالية وفقاً لاحتياجات المرضى. وتُفيد علوم البيانات في قطاع الصحة في تصميم سياسات صحية فعالة، حيث يمكن للقادة والمسؤولين في القطاع الصحي توجيه السياسات واتخاذ القرارات الصحية بناءً على أدلة دقيقة وموثوقة ومبنيةٍ على معرفة احتياجات السكان ومشكلات الصحة العامة المحتملة، وتخصيص الموارد بطريقة تتناسب مع تلك الاحتياجات لتحقيق تحسينات فعالة.
تعد الأزمات والكوارث من أكثر التحديّات التي تواجه المجتمعات حول العالم، حيث تتطلّب الأزمات والكوارث إدارةً حكيمةً وسريعةً للأمور؛ لاستعادة الحياة وتسيير العمليات اليومية الضرورية للحياة في أسرع وقتٍ ممكن، وبحسب الموارد المتوفرة، وفي هذه الأوقات الصعبة، يلعب علم البيانات دوراً حاسماً في تحليل البيانات الضخمة وتوفير التنبؤات والحلول لإدارة هذه الأزمات بفعالية وتقليل الأضرار الناجمة عنها. أحد أمثلة استخدام علم البيانات في الأزمات هو: تحليل التلوث البيئي بعد الكوارث الطبيعية، مثل: الزلازل، أو الفيضانات، أو الأعاصير، والحصول على معلوماتٍ أكثر وأدق حول المناطق المتضررة، وتقدير حجم الأضرار، ومن ثمّ يُمكن للسلطات والهيئات المعنية اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ وتحديد الاحتياجات الملحّة؛ للمساعدة وتوفير الإمدادات الضرورية بطريقة أكثر كفاءة. كما يُمكن استخدام علم البيانات في تحليل السلوك الاقتصادي أثناء الأزمات والكوارث، من خلال جمع البيانات المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك والتجارة وتحليلها؛ لتقدير تأثير الأزمة على الاقتصاد واتخاذ إجراءاتٍ مناسبة للتعافي. يُعدّ علم البيانات أداةً واعدةً في إدارة الأزمات والكوارث، لا سيما مع التقدم التقني لأدوات جمع البيانات والمدعومة بالذكاء الاصطناعي، ممّا يجعلها قادرةً على إجراء تحليلاتٍ دقيقةٍ وسريعةٍ لنمط الأزمة، واستثمار قوة البيانات التحليلية والتنبؤية، لتقديم استجابة وتقييم أفضل للوضع، وزيادة فعالية الاستجابة للحالات الطارئة.
كيف يُمكن لعلم البيانات أن يلعب دوراً في مكافحة الفقر وتحسين جودة حياة الأشخاص الأقل حظاً في المجتمعات؟ عندما يتم جمع البيانات من مختلف المصادر، مثل المسوحات الاجتماعية وقواعد البيانات الحكومية وسجلات المستفيدين من البرامج الاجتماعية، يمكن الاستفادة من هذه البيانات في فهم العوامل المسببة للفقر، وتكوين صورة واضحة عن فئات المجتمع الهشة والفقيرة.
تُستخدم تقنيات تحليل البيانات المتقدمة وتقنيات تعلّم الآلة لتمييز الأنماط والمعطيات المهمة في بيانات المجتمعات، فتساهم هذه التقنيات في تفاعلٍ أكبر مع البيانات الضخمة، والربط بين قواعد البيانات المختلفة، والخلوص إلى رؤىً وتنبؤات قائمة على الأدلة، تستخدمها الجهات المعنية في مراقبة الأوضاع وتحديث البرامج الاجتماعية والتنموية، واتخاذ التدخلّات اللازمة بشكلٍ دوري. كما يمكن استخدام علم البيانات في توجيه السياسات الاجتماعية لمكافحة الفقر، من خلال استخلاص الأولويات وتحديد الفئات الأكثر تأثراً والإجراءات الفعالة التي ينبغي اتخاذها لتحقيق تغيير إيجابي، وتستفيد الجهات المعنيّة كذلك ممّا يُستخلص من هذه البيانات في تصميم برامج الحماية الاجتماعية الموجّهة، وتنظيم توزيع المساعدات بشكلٍ أكثر فعالية، وضمان تقديم الخدمات والفرص للفئات الأكثر ضعفاً. وعند توظيف البيانات في مجال مكافحة الفقر ينبغي أن نأخذ في الاعتبار القضايا الأخلاقية والتحديّات التي قد يواجهها تطبيق علم البيانات في مكافحة الفقر، مثل: حماية خصوصية المستفيدين، وضمان استخدام البيانات بما يتفق مع المعايير الأخلاقية.
يُعدّ توجيه علم البيانات من أجل الأثر الاجتماعي عملاً متطوّراً ومتوسّعاً، باعتبار ما يُتوقع منه في تشكيل حياتنا والكيفية التي نعمل ونتعاون بها، وباعتباره مجالاً واعداً يحمل الكثير من الفرص التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء، للسعي نحو تحقيق مستقبل أكثر شمولاً وإنسانيةً. وفي هذا المجال تُقام العديد من المسابقات والفعاليات، مثل: مجتمع Kaggle لعلماء البيانات ومهندسي تعلّم الآلة، وهو مجتمعٌ يمنح وصولاً مجانياً إلى أكثر من 50 ألف مجموعة بيانات عامة، ويرعى العديد من المسابقات التي تُعنى بتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية التي تتعلق بالقضايا البيئية والاجتماعية، كما ترعى أولمبياد تحليل البيانات الدولية (IDAO) حدثاً سنوياً تتنافس فيه فرق من علماء البيانات لإنشاء نماذج تعلم الآلة، تعالج مشكلات العالم الحقيقي، وتستخدم الموارد الطبيعية استخداماً مستداماً. بالإضافة إلى المصادر المفتوحة للأبحاث والمشاريع، وأدوات تحليل البيانات، ونماذج تعلّم الآلة المتاحة للوصول على الإنترنت لأي شخص في أنحاء العالم، مثل: مكتب اليونيسيف للابتكار، والمنصّات التي تُساهم في دعم المنظمات غير الربحية والجهات الحكومية لتوظيف البيانات من أجل تحسين الأثر المجتمعي.